ملتقى رجال الأعمال الفلسطيني
Forum Businessmen Palestinian
الرئيسية أخبار إقتصادية

التمويل الخارجي ودوره التخريبي في فلسطين

تم النشربتاريخ : 2013-10-24

 الكاتب: إبراهيم أبراش

من يريد أن يبحث عن جوهر الخلل في النظام السياسي الفلسطيني وفي تراجع الفعل النضالي الوطني عليه أن لا يُحمِل الاحتلال لوحده مسؤولية وصول المشروع الوطني لطريق مسدود،لأنه عندما بدأ المشروع الوطني وقامت الفصائل وحركات المقاومة كانت إسرائيل عدوا متفوقا إرهابيا وعدوانيا وما زالت كذلك ،وليس من المقبول أن نُحمِل الأنظمة العربية والإسلامية المسؤولية أيضا لأن موقف هذه الأنظمة معروف مسبقا ولأنها لا يمكن أن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين ،أيضا لا يمكن إحالة الفشل لعدم عدالة قضيتنا الوطنية ،فالقضية الفلسطينية من أكثر القضايا الدولية عدلا حتى أن الأمم المتحدة اعترفت لنا بحق تقرير المصير السياسي وحقنا في دولة وغالبية شعوب العالم تعترف بعدالة قضيتنا الوطنية، إذن أين يكمن الخلل؟. 

الخلل يكمن ، بالإضافة إلى ما سبق، في النخب السياسية ونخب المجتمع المدني وتبعيتها الذيلية ماديا لأجندة خارجية وللجهات المانحة بمشاربها المتعددة وهي تبعية أنتجت تبعية سياسية بالضرورة ،أيضا فإن تفكك وضعف البنية التحتية الاقتصادية والمنظومة القيمية الاجتماعية، أدى كل ذلك بدوره لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني بما يضعه في حالة قطيعة مع مرحلة التحرر الوطني . الطابع الشمولي للنظام السياسي ونمط القيادة المهيمنة وهذه الحالة التي انزلقت إليها الأحزاب والنخب الفلسطينية الوطنية منذ توقيع اتفاقية أوسلو ، ثم تبعتها القوى اليسارية والإسلامية ، أدت لإعاقة قدرة المجتمع على تشكيل أو إعادة إنتاج نخب وطنية نضالية جدلية وجعلت الشعب الفلسطيني مكشوفا وضعيفا أمام التدخلات الخارجية والإغراءات المالية. 

جرت عملية رشوة جماعية للنخب الفلسطينية حرفتها عن وجهة النضال الوطني المتصادم مع الاحتلال لتقع في وهم السلطة والحكومة والمناصب ووهم إمكانية تنمية المجتمع وبناء مؤسسات الدولة في ظل الاحتلال ، ووهم المراهنة على مفاوضات وتسوية مع إسرائيل بدون حضور المقاومة ومقدرات الشعب على طاولة المفاوضات حتى كورقة مساومة. كما أن النخب والحكومات الفلسطينية بدورها رشت المناضلين والمجاهدين ثم بقية المواطنين وكممت أفواههم من خلال الرواتب والمساعدات والقروض الخ .

تحول الفلسطينيون إلى عبء مالي على العالم الخارجي،فالسلطة الوطنية تعتمد على تمويل ومساعدات خارجية ، وحكومة حماس تعتمد على مساعدات خارجية ، وبات الشعب اتكاليا يعتاش على المساعدات حيث تم تعميم نموذج وكالة الغوث . قبل سنوات قلائل لم تكن غضاضة في تقَبُل مساعدات خارجية وكان الفلسطينيون يتقبلونها بعزة نفس لأنها تقدم لشعب يقاوم الاحتلال وكانت الأموال وخصوصا العربية والإسلامية تشكل الجزء الأكبر من المساعدات التي تقدم للشعب الفلسطيني وكانت تُقدم شعبيا ورسميا من منطلق الواجب القومي والديني،وأحيانا وبالنسبة للبعض كرشوة للتغطية على عجز العرب والمسلمين عن القيام بواجبهم تجاه فلسطين والقدس ، أما اليوم فإن غالبية التمويل يأتي من الجهات المانحة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة أو بموافقتها وهي جهات كانت وما زالت تعارض الاعتراف بالحقوق السياسية الفلسطينية وعلى رأسها حقه في دولته المستقلة وعودة اللاجئين ،وهذه الأموال تدخل لمناطق السلطة عن طريق إسرائيل وبموافقتها،ويتم صرفها أيضا بما لا يتعارض مع اتفاقات التسوية وبما ترضى عنه إسرائيل، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال عن هذا الكرم الغربي الأمريكي وما هو الثمن السياسي الذي يدفعه الفلسطينيون؟ . 

في ظل هكذا انزلاق نحو التبعية وقبول المال السياسي المشروط وتدمير مقومات صمود الشعب،لم يعد النضال واجبا وطنيا يتطلب التضحية والعطاء بل أصبح وظيفة براتب،المناضل أو المجاهد بات موظفا ،بل تم دفع رواتب للمناضلين والمجاهدين حتى يتقاعدوا في ريعان شبابهم وكأن مرحلة التحرر الوطني قد أنجزت أهدافها ! تغلل الملل السياسي أو مال الرشوة الجماعية لكل مناحي حياتنا حتى لما تبقى من أشكال نضالية ، فمن يخرج بمسيرة أو مظاهرة يتقاضى مقابل ،ومن يلصق صورة على جدران أو يكتب شعارا يتقاضى مقابلا ،ومن يُجرح أو يصاب يأخذ تعويضا ، والأسير بات له راتب في السجن – الكنتين- وراتب لعائلته ،و الشهيد تتقاضى عائلته راتب ، لم يعد لدينا قادة حركة تحرر بل وزراء وأعضاء تشريعي يتقاضون رواتب عالية ويتمتعون بامتيازات أسوة بالوزراء والمسئولين في الدول المستقلة .

كل ذلك أضيف لما يقوم به الاحتلال من تدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني والحصار ليكون المُخرَج مجتمعا اتكاليا سلبيا . أصبح وضعا عاديا وطبيعيا أن تعيش أسرة بكاملها على ما تقدمه وكالة الغوث أو الشؤون الاجتماعية أو كوبونة (معونة غذائية) تقدمها هذه الدولة أو تلك أو هذه المؤسسة الأجنبية أو تلك، شباب بعنفوانهم باتوا يصطفون بالطابور ويقفون لساعات للحصول على كوبونة أو مساعدة أو عقد بطالة لعدة أشهر إن حالفه الحظ ، أطفال وشباب ونساء يتسولون عند الإشارات الضوئية وفي الشوارع ، وبات دور الحكومتين والسلطتين فرض تكييف قصري للمواطنين مع شروط الجهات المانحة ومع التزامات الحكومتين مع إسرائيل – تنسيق أمني في الضفة واتفاقية هدنة رسمية في قطاع غزة - ، و توزيع رواتب ومساعدات ليس بعدل وبما يؤسِس لاقتصاد مُنتج بل لتوزيعها حسب الولاء للحزب الحاكم ولشراء ذمم شخصيات اعتبارية ومخاتير وإعلاميين الخ .أما مؤسسات المجتمع المدني أو الأنجيوز فالجهات المانحة الأجنبية تتكفل بهم مباشرة ليقوموا بادوار محددة لهم . 

هذه ظواهر لم تكن معروفة في المجتمع الفلسطيني عندما كان يعيش مرحلة التحرر الوطني،عندما كان الطالب يدفع رسوم الانخراط في اتحاد الطلبة، والعامل يدفع رسوم الانخراط في نقابة العمال، والمعلمون والموظفون يدفعون نسبة من راتبهم لمنظمة التحرير الفلسطينية الخ ، وعندما كان الأطباء والمهندسون والأكاديميون ورجال الأعمال ... يتركون وظائفهم وحياة الرفاهية التي يعيشونها لينخرطوا في صفوف فصائل الثورة الفلسطينية وفي العمل الوطني، للأسف بات الانتماء للعمل السياسي اليوم من أجل الأخذ وليس من أجل العطاء . 

هذه الحالة ليست قدرا على الشعب الفلسطيني بل هي حالة مرضية طارئة يمكن تجاوزها ، إما من خلال تحرير المجتمع والأحزاب من الارتهان للمال السياسي الخارجي ،أو من خلال مباشرة الصدام مع الاحتلال ،فالتصادم المباشر مع الاحتلال بالمقاومة المسلحة أو السلمية الشعبية كفيل بإعادة الروح الوطنية الكفاحية الأصيلة للشعب . وفي التاريخ عِبَرّ ،فعندما مر الشعب الفلسطيني بسنوات التيه ما بعد النكبة مباشرة حين كانت الفلسطينية تهمة جاءت الثورة الفلسطينية بقيادة حركة فتح لتستنهض الحالة الوطنية وتحول الشعب من مجرد لاجئين إلى شعب مقاوم وفرض على العالم الاعتراف به وبحقوقه السياسية ، وعندما مرت منظمة التحرير بحالة من التيه وكادت أن تتلاشى بعد خروج المقاومة من لبنان وتآمر العرب وغيرهم عليها جاءت انتفاضة 1987 ضد الاحتلال لتستنهض الوطنية الفلسطينية مجددا وتوحد الشعب بكل فئاته ، وعندما عمت حالة اليأس والفساد والانفلات في عهد السلطة جاءت انتفاضة الأقصى عام 2000 لتعيد توحيد الشعب ولتسطر بطولات جعلت كل العالم يقف احتراما للشعب الفلسطيني وانتفاضته . واليوم يمكن لانتفاضة فلسطينية أن تُخرج الحالة الفلسطينية من وضعها المأساوي، ولكن مع الاستفادة من دروس الماضي وتجنب الأخطاء التي صاحبت الانتفاضتين السابقتين وخصوصا غياب قيادة وطنية موحدة وتجييش الانتفاضة فصائليا بدون إستراتيجية مقاومة موحدة.